عمال النظافة.. أعدادهم قليلة وأدواتهم محدودة..والنتيجة:ظروف أقسى من عمل التنظيف

هم إخوة لنا، يعيشون بيننا ولا يمكن أن نتخيَّل مدننا من دونهم، تصادفهم في
الشوارع وراء عربات بسيطة، يخلِّفون النظافة وراءهم أينما حَلّوا، على عكس
كثير منا، من أسف. لكن، يبقى السؤال: ماذا عن همومهم التي يحملونها على
أكتافهم، وهل يجدون مَن يستمع إليها، أم أنهم يرمونها في عرباتهم المتواضعة
لمعرفتهم أنها ذاهبة إلى المجهول في مطامر النسيان واللامبالاة..
عمال نظافة حلب: هناك نقص في العمال
(أبو محمد، أبو عبدو، أبو فلان ما في فرق)، هكذا أجابنا ذلك العم
ذو السنوات الأربع والأربعين عند سؤاله عن اسمه، هو لم يرغب في قول اسمه
الحقيقي، ليس خجلاً من المهنة التي يعمل فيها، إنما رغبةً في الحديث بحرية،
خاصة عندما وجَّهنا إليه سؤالاً مفاده: «ما هي أبرز مشكلاتكم كعمال
نظافة؟».
يقول أبو مصطفى، كما أراد أن نذكر أخيراً: «لعامل النظافة مشكلات عدّة
تتعلَّق بظروف العمل، فمعظم المناطق في محافظة حلب كبيرة، وهي تتطلَّب
قدراً كبيراً من الجهد حتى تبدو نظيفة، الأمر الذي يعدُّ مستحيلاً مع النقص
الحاصل في أعداد العمال، إضافة إلى عدم التزام الناس بأبسط مبادئ النظافة،
فالطفل يرمي الأوساخ في الشارع دون أن يُنَبَّه من قبل الأهل أو المدرسة،
حتى إنه وإن نُبِّه إلى ذلك لن يقتنع بالأمر عندما يرى مَن هو أكبر منه
يرمي الأوساخ هنا
وهناك، ونتيجة لكلِّ ذلك، نعاني (عمال النظافة) من الضغط الشديد خلال ساعات دوامنا الثماني»..
ويضيف: «كما نعاني في بعض الأحيان من مزاجية المشرفين علينا، من حيث فرض
عقوبات التأخير أو الغياب، دون مراعاة الظروف التي قد يمرُّ بها العامل،
كما نعاني بعض الشيء من معاملة الناس لنا، والتي تصل في بعض الأحيان إلى
حدّ الاستهزاء، فتراهم يوبِّخون ويأمرون ويتذمَّرون، رغم أننا نقوم بواجبنا
في ظروف صعبة، لكن بالطبع هذا لا يجعلني أخجل من المهنة التي أعمل فيها،
بل أخجل من بعض العمال الذين لا يقومون بواجبهم على أكمل وجه، وبالتالي
يتسبَّبون لنا في سمعة سيئة».
المهندس محمد حزيني، مدير النظافة في محافظة حلب، وافق أبا مصطفى في عدة
نقاط، وبشكل خاص موضوع عدد عمال النظافة، فيقول: «يبلغ عدد العاملين في
مدينة حلب (بمعنى العاملين داخل المدينة دون الريف) قرابة 2700 عامل، لكن
يعمل في الشارع ما يقارب 2300 عامل، وهذا النقص يعود إلى عدد من الظروف؛
كعدم التزام بعض العاملين بأوقات دوامهم، كما أنَّ معظم العاملين لدينا هم
من سكان القرى المجاورة لحلب، ولديهم أراضٍ زراعية يعملون فيها أيضاً،
وبالتالي نحن نعاني من نقص عدد العمال، لاسيما في موسم الزيتون، وبكلِّ
صراحة نحن مضطرُّون إلى المحافظة عليهم ومراعاتهم إلى أبعد الحدود، لحاجتنا
إلى هؤلاء العمال الذين باتوا كالسلعة النادرة، نتيجة حساسية المهنة وعدم
قبول الكثير من الناس العمل فيها».
وفي ما يتعلَّق ببدل طبيعة المهنة، من لباس وطعام، يوضح المهندس حزيني
قائلاً: «من المعروف أنَّ عامل النظافة يحصل على بدل طبيعة عمل تتعلَّق
بالطعام واللباس، فهم يحصلون على بدلتين وحذاء (جزمة) ولباس مطري طوال
العام، الأمر الذي أعتبره شخصياً قليلاً؛ فطبيعة عملهم تتطلَّب المحافظة
على صحتهم الشخصية، وإذا أراد العامل أن يقوم بغسل ثيابه، كالفرد العادي،
فإنَّ بدلتين على مدار السنة تحت ظروف الأوساخ وحالة الطقس لن تكونا
كافيتين، لذا أجد أنَّ العدد يجب أن يكون أربع بدلات وحذاءين في العام،
إضافة إلى اللباس المطري، وهذا أضعف الإيمان، كما يجب في رأيي أن يخصَّص
لهم كمية معيَّنة من مواد التنظيف تضاف إلى بدل طبيعة العمل، لأهميتها.
لكن في المقابل، نجد أنَّ نسبة العمّال الذين يلتزمون باللباس لا
تتجاوز 30 %، حتى إنَّ بعض العمال يقومون ببيع ما يخصُّهم من لباس، وهنا
نعاني من مشكلات كبيرة في التواصل معهم، خاصة أنَّ نسبة كبيرة منهم، إن لم
يكن الكل، ينتمون إلى طبقات اجتماعية بسيطة جداً، وهم غيرُ واعين أنَّ
الهدف من اللباس هو حمايتهم أولاً والحفاظ على مظهرهم بشكل حضاري ثانياً»..


أخيراً أوضح مدير النظافة في حلب، أنَّ ما تتمُّ جبايته كضريبة للنظافة
من المواطنين، لا يسدُّ ربع المبلغ الذي تضخُّه الحكومة في هذا القطاع،
مشيراً إلى الدعم الذي تقدِّمه وزارة البيئة والإدارة المحلية في هذا
المجال، خاصة بالتزامن مع الحملة الوطنية للنظافة، داعياً كافة الوزارات
والقطاعات العامة والخاصة إلى القيام بدور فعّال في موضوع النظافة، وتقديم
الدعم للبلديات التي لن تتمكَّن وحدها من التصدِّي لهذا الواجب دون مساندة
من الجهات الحكومية من جهة، والمواطنين من جهة أخرى..


عمّال نظافة طرطوس.. بانتظار حاجات مادية ومعنوية
نقص في عمّال نظافة طرطوس وآلياتها، لا يؤثِّر في واقع النظافة،
في نظر المسؤولين عنها، ولكن السنة القادمة قد تحمل في جعبتها من
الاعتمادات ما هو كافٍ لحقن هذه البنى والوصول بالنظافة إلى برِّ الأمان..

أحد عمال النظافة أكَّد عند لقائه أنَّ أعدادهم قليلة جداً نسبة إلى
مساحة طرطوس، الأمر الذي يجعلهم يتعبون جداً، ولكن هل يؤثِّر ذلك في مستوى
النظافة؟.. كانت إجابته بالتأكيد؛ لأنَّه إن فرض ساعات عمله الثماني على
مساحة أقل سيكون العمل أدق، على اعتبار أنَّ المواطنين يرمون القمامة
بطريقة عشوائية، فمنها بلا أكياس، وأخرى مرمية في الشارع من المارّة بحيث
ستكون «الكناسة» عملاً يأخذ من الوقت الكثير إن أراد العامل أن يعمل
بضميره، لافتاً إلى أنَّ هناك عدداً من عقود النظافة لعمّال لا يعملون،
وبالتالي عند حساب عدد عمال النظافة ككل في بلدية طرطوس يتبيَّن أنَّ العدد
كافٍ، ولكن في الحقيقة مَن يعمل منهم أقل بذلك بكثير.. وكذلك الأمر
بالنسبة إلى المراقبين، فمعظمهم لا يعملون، وأعدادهم ليست قليلة أبداً..
مدير دائرة النظافة في مجلس مدينة طرطوس، المهندس وسام عيسى، لفت إلى
أنَّ راتب عامل النظافة الجديد منهم هو 6200 ليرة فقط، ولكن يتقاضى العامل
المسائي طبيعة عمل 100 % والنهاري 80 %، بحيث يصل راتب الكثيرين منهم إلى
15 ألف ليرة. وعن مكافآتهم أكَّد عيسى أنَّ المكافآت هي عبارة عن تقديم
إضافي كلّ ربع سنة، إضافة إلى مكافآت الدائرة للعامل النشيط والتي تتراوح
بين 500 - 1000 ليرة..
وبالنسبة إلى طعامهم اليومي فيتقاضون 30 ليرة عن طعامهم في طرطوس،
والطعام معظمه بيض، ولباسهم السنوي هو بدلتان، إلى جانب القفازات والمشمع
المطري. كما أنه يتمُّ جمع القمامة ليلاً في مدينة طرطوس، على اعتبار أنَّ
مواعيد إلقاء القمامة بين 8 و11 ليلاً. وقد قسّمت مدينة طرطوس بحسب واقع
النظافة في الأحياء إلى 7 أحياء نظيفة، و5 أحياء أقل تلوّثاً، ولكن تبيَّن
وجود 11 منطقة أكثر تلوّثاً هي: حي البرانية، وحي السجن، والعجمي، وحي
الفقاسة، إضافة إلى الرادار، ورأس الشغري، ووادي الشاطر، وحي الهديل، وحي
الروادية، والمدينة القديمة، وضاحيتي الباسل والأسد..

في الحسكة.. عمّال التنظيفات قريبون من المجتمع المحلي
حكاية العم فاضل لاتزال تُحكى وتُسرد بين العائلات في الحي العسكري من
مدينة الحسكة، فعامل التنظيفات هذا كان يجوب الحي ويجمع القمامة، إضافة الى
تكنيس الشوارع الرئيسة من الحي المخصَّص له، بكلِّ أمانة وإخلاص، وعلى
الرغم من تقاعده من العمل، لايزال أهالي الحي يحتفظون بعربته، وذلك عرفاناً
منهم بأهمية العمل الذي كان يقوم به في الحي. وحكاية العم فاضل تنطبق على
العديد من الأحياء في المحافظة، حيث يعتبر العديد من المواطنين أنَّ هذا
العمل من الأعمال السامية والشريفة.
ويقول عبد الرزاق العودة، معاون مدير نظافة الحسكة، إنَّ أعداد العاملين
في مجال التنظيفات في الحسكة قليل جداً، حيث إنَّ عددهم وصل إلى 206
عمَّال في المدينة، منهم 100 عامل دائم، و106 تمَّ تعيينهم على أساس عقود
سنوية، وهذا العدد لايفي بالغرض بعد التوسُّع الذي تعيشه المدينة والزيادة
في عدد السكان، مشيراً إلى أنَّ الحسكة تحتاج إلى عدد كبير من العاملين في
هذا القطاع، كما أنَّ النقص الحاد في هذه الأعداد جعل مجلس مدينة الحسكة
يقوم بتوظيف العديد من الموسميين لهذا الغرض، حيث بلغ عددهم 100 عامل، ولكن
على الرغم من هذه التعيينات لا تزال المحافظة تشهد نقصاً واضحاً في مجال
التنظيفات، لافتاً إلى أنَّ السبب في عدم تعيين عمّال جدد يعود إلى عدم
توافر الاعتماد اللازم لهم..
أما بالنسبة إلى الرواتب والأجور التي يتقاضاها عمّال التنظيفات، فيتابع
العودة: «تُحسب الرواتب والأجور لعمال النظافة بحسب مدة الخدمة لدى مجلس
المدينة، ويصل سقف الرواتب للعاملين في قطاع التنظيفات إلى 13000 ليرة
سوريا. أما بالنسبة إلى اللباس، فإنَّ لباس عمال التنظيفات متوافر،
ويُوزَّع على العاملين، حيث يتمُّ توزيع بدلات موسمية، إضافة إلى لباس مطري
وحذاء».. ويضيف عبد الرزاق العودة، معاون مدير نظافة الحسكة، أنه يوجد في
مدينة الحسكة نقص واضح في عدد الآليات الموجودة للعمل في هذا المجال، وما
هو متوافر حالياً ويتمُّ استخدامه يعاني من السوء من الناحية الفنية، حيث
يوجد في ميدان العمل 16 سيارة ضاغطة، و15 جراراً وقلاب، إضافة إلى تريكس
كبير يقوم بالعمل على مدار الساعة. أما بالنسبة إلى حاويات القمامة، فيبلغ
عددها 261 حاوية، وهي كافية بالنسبة إلى المدينة.


في حمص.. 640 عاملاً للقطاع العام و400 للقطاع الخاص.. والزيادة ضرورية

لاتختلف مشكلات عمّال التنظيفات في حمص عن غيرها من المحافظات، حيث
سلَّط المهندس وائل توفيق عبيد، مدير النظافة في مجلس مدينة حمص، الضوء على
واقع النظافة في المدينة، وأشار إلى أنَّ عدد عمال الجمع والترحيل يبلغ
640 عاملاً و162 سائقاً، ويخدمون مدينة حمص بنسبة65 %، ويصل عدد الكادر
إضافة إلى الإداريين إلى 800 عامل، بينما يتمُّ تخديم باقي المدينة عبر خمس
شركات قطاع خاص، ويبلغ عدد عمالها 400 عامل، وذلك في المساحات التي لاتقوم
المديرية بتنظيفها، مع العلم بأنه تمَّ تنفيذ محاور للعمل، لعدم التداخل
بين عمل القطاع العام وعمل القطاع الخاص.
وأضاف أنَّ القطاع العام مازال يحقِّق تقدُّماً على القطاع الخاص في
موضوع النظافة، والسبب هو خبرة عمّال القطاع العام، الذين يعملون بمنهجية
محدَّدة. وتابع مدير النظافة في مجلس مدينة حمص قائلاً: «من المستحيل أن
يكون كل الكادر الذي يصل عدده إلى 800، شخص بسويّة جيدة، مع الإشارة إلى
أنَّ عامل النظافة أبسط من غيره؛ بمعنى أنَّ طبيعة العمل تفرض وقاراً
معيَّناً على العامل، ما قد يؤثِّر في أداء عمله، وهنا دور المواطن
والمجتمع يكمن في تغيير النظرة السلبية إلى عامل النظافة والوصول إلى
مرحلة اعتباره أحد من إخواننا أو أبنائنا، وإذا تغيَّرت هذه القناعة
ستتغيَّر بكلِّ تأكيد نظرة بعضهم إلى عامل النظافة»..
وختم حديثه قائلاً: «عدد العمال والآليات غير كافٍ، لذلك طلبنا زيادة
أعداد العمال، ووُعِدنا بأن تكون الزيادة مع بداية العام، إضافة إلى ضرورة
زيادة عدد الآليات وتحديث بعضها، لرفع المستوى التخديمي الذي يقدِّمه عمال
النظافة»..